لامية الهمج
شعر: علي طه النوباني
|
||
خَفَّتْ سُليمى إلى الدِّيار في عَجَلِ
|
|
وانتابها قَرَفٌ من شِدَّةِ الثَّمَلِ
|
كَمْ حولَها في فَيافي الأرضِ من أَسَدٍ
|
|
زالَتْ مُروءَتُه، يُرعى مع الحَمَلِ
|
كانتْ تُؤلِّفُ في ليلٍ مَزاعِمَها
|
|
أنَّ النُّجومَ غَفَتْ بالقُربِ من زُحَلِ
|
لكنَّ سَيِّدَها - والكأسُ مُترعَةٌ -
|
|
ضَحَّى بِألفٍ من الزُّعرانِ والهَمَلِ
|
فَغادَرتْ حُزْنَها واسْتَعْمَرَتْ وَطَناً
|
|
يَغفو على الهَمِّ والتَّشريدِ والوَجَلِ
|
حتّى إذا ما بَدَتْ في الروضِ راقِصَةً
|
|
والقَدُّ يَلْمَعُ في الآفاقِ كالشُّعَلِ
|
قالَتْ لمُكْتَئِبٍ قَدْ كانَ يَعْشَقُها
|
|
أكرِمْ بِحافِيَةٍ تَعلو عَلى الدُّولِ
|
إذا رَأيْتَ دُروبَ العُمْرِ مُقفِرَةً
|
|
ماذا سَتَفْعَلُ يا مَنْحوسُ بالأَمَلِ
|
نامَ المُحاربُ قَدْ أعْيَتْهُ حُجَّتُهُ
|
|
لمْ يَبْقَ في رَأسِهِ الخاوي سِوى المَلَلِ
|
قَدْ جاءَ في زَمَنٍ سادَ الهُراءُ بِهِ
|
|
وازدانَ كُلُّ صَوابٍ فيهِ بالخَلَلِ
|
واعْتَلَّ بالوَهْمِ لَمْ يَذْكُرْ مَلامِحَهُ
|
|
ما يَفْعَلُ العَقْلُ في بَحْرٍ مِنَ الهَبَلِ
|
في الصمتِ أُحْجِيَةٌ، في القَولِ أُحْجِيَةٌ
|
|
فيما تَردَّدَ بَينَ اليَأْسِ والأملِ
|
حامَتْ بَيارِقُنا في السَّفْحِ واعْتَكَفَتْ
|
|
فالموتُ في عَمَلٍ، كالمَوْتِ في كَسَلِ
|
هذا النَّهيقُ؛ وذا النَّعيقُ مَنْزِلَةٌ
|
|
تَسْعى إليها أُنوفُ الناسِ في كَلَلِ
|
يَمضي الجميعُ إلى مُسْتَنْقَعٍ أَسِنٍ
|
|
فَيَمْزِجونَ أَحَرَّ الطَّعْنِ بالقُبَلِ
|
لا تَحْمِلِ الدِّرْعَ في يَدٍ مُضَرَّجَةٍ
|
|
وانظرْ لِظَهْرِكَ مِنْ حافٍ وَمُنْتَعِلِ
|
إذا جَمَعْتَ فُصولَ الجَهْلِ في كُتُبٍ
|
|
فَالغَدْرُ مُقْتَرِنٌ بالظلمِ لَمْ يَحُلِ
|
جَحشٌ عَلا فَرَساً فَاشتدَّ ساعِدُهُ
|
|
وانْتابَهُ خَبَلٌ في الخَيْلِ والإبِلِ
|
ما كُنْتُ أحْسَبُ أنْ يَعْلو لِمَرْتَبَةٍ
|
|
حتى رَأَيْتُ نَكيرَ الصَوتِ في الأُوَلِ
|
ماذا سَيَفْعَلُ أَفّاقٌ لِخَيْبَتِنا
|
|
غَيْرَ السِّباحَةِ في بَحْرٍ مِنَ القَمَلِ
|
لا رَدَّهُ اللهُ مِنْ تَرحالِهِ أَبَداً
|
|
فالسفحُ مُنْقَلِبٌ في قِمَّةِ الجَبَلِ
|
ما كانَ أبصَرَنا والشمسُ ساطِعةٌ
|
|
فابشِرْ بِحظِّكَ في الظلماءِ والحَوَلِ
|
والخَيْلُ خانِعَةٌ، لِلذَّبْحِ مُذْعِنَةٌ
|
|
والروحُ جائِعَةٌ، والشوكُ في المُقَلِ
|
مَنْ ذا يُزيِّنُكُمْ؛ يا رَهْطَ فاجِرَةٍ
|
|
أَوْدَتْ بِصاحِبِها في أَرْدَأ السُّبُلِ
|
يا أمَّةً أَعْدَمَتْ أيَّامَها فَشَلاً
|
|
واسْتَحْضَرَتْ كُلَّ ما يودي إلى الفَشَلِ
|
تَرْنو إلى شَرَفٍ، والعِلمُ مَنْقَصَةٌ
|
|
في ساحةٍ عُمِرَتْ بالجَهلِ والخَطَلِ
|
يَغفو عَلى الشوك والأحزانِ مُبْدِعُها
|
|
ويَعْتَلي خَيلَها ذو السَّقْطِ والهَزَلِ
|
هذي الزهورُ إلى بُؤسٍ سَتَحْمِلُنا
|
|
إنْ أيْنَعَتْ في حُقولِ الثَّومِ والبَصَلِ
|
(لَقَدْ تَصَبَّرتُ حَتّى لاتَ مُصْطَبَرٍ
|
|
والآنَ أَقْحَمُ حتّى لاتَ مُعْتَمَلِ)
|
في رَوْضِنا شَجَرٌ لكِنَّ وارِفهُ
|
|
نَهْبٌ لِكُلِّ هَوامِ الأرضِ والسِّفَلِ
|
نَغفو عَلى كَذِبٍ، نَصْحو عَلى كَذِبٍ
|
|
نُمَرِّغُ الوَجْهَ في التَّخْريفِ والخَبَلِ
|
حَتَّامَ نَنْتَظِرُ الأغرابَ تَنْصُرُنا
|
|
وَيَنْحَني رَأْسُنا في الحادِثِ الجَلَلِ
|
ما ظَلَّ مِن أَمْرِنا بَينَ الشُّعوبِ سِوى
|
|
بابٍ نُوارِبُهُ للمَوتِ والشَّلَلِ
|
كادَ المُسافرُ أنْ يَبْني سَفائِنَهُ
|
|
لكنَّ عاصِفةً هبَّتْ مَعَ الخَوَلِ
|
فَارْحَلْ وأُفْقُكَ أَوهامٌ مُخادِعَةٌ
|
|
وانْثُرْ بِذارَكَ في الصحراءِ والجَمَلِ
|
يا ساكِناً خَرَفَ الأَفكارِ عَجرفةً
|
|
ماذا تَزيدُ عَنِ الأَقوامِ والمِلَلِ
|
ماذا صَنعتَ سِوى الأَحقادِ تَقْتُلُنا
|
|
ماذا بَنَيْتَ سِوى التَزييفِ والزَّلَلِ
|
انظرْ لِثَوْبِكَ، هَلْ أَلَّفْتَ رُقعتَهُ
|
|
وانظرْ لقَلْبِكَ مَجْبولاً مَعَ العِلَلِ
|
وانظرْ لقَومِكَ: مَظلومٌ يؤنِّبنا
|
|
أو ظالمٌ يَتَحَلّى بالسيفِ والأَسَلِ
|
قَدْ أَوْجَدَ الناسُ قانوناً ليُنْصِفَهُمْ
|
|
إلا دِيارُكَ فالقانونُ للضَلَلِ
|
كَفى تُصَنِّفُ أَوهاماً تُعدِّدُها
|
|
والناسُ تَرْحَلُ للمِرِّيخ مِنْ زُحَلِ
|
يا مَتْحَفَ الحَشَراتِ، ما تُريدُ بِنا
|
|
جَلداً على دُبُرٍ، أمْ صَفْعَةَ القُبُلِ
|
أتُحْرِقُ الزهرَ غَضّاً في مَرابِعِنا
|
|
وَتَرْتَجي عَسَلاً مِنْ قَطْرَةِ الوَشَلِ
|
سَيَهرُبُ النَّحلُ عن أرضِ النِّفاقِ ضُحىً
|
|
وَيَغْرَقُ الجَمْعُ في بَحْرٍ مِنَ الوَحَلِ
|
وَنَشْتَري بِدُموعِ البُؤسِ نازِلَةً
|
|
فَلا نُفَرِّقُ طَعْمَ الزِّفْتِ مِنْ عَسَلِ
|
يا أمَّةً تَمْلَأ الأكوانَ جَعْجَعَةً
|
|
وَلا نَرى وَجْهَها في ساحَةِ العَمَلِ
|
قَوِيُّها يأكلُ الضعيفَ مُسْتَعِراً
|
|
وَيَبْتَغي جَنَّةَ الفِردَوسِ بالدَّجَلِ
|
تَراهُ يَخْشَعُ في صَلاتِهِ وَجِلاً
|
|
وَيَرْتَأي صُحْبَةَ الإبليسِ مَعْ هُبَلِ
|
في صَمْتِهِ جَشَعٌ، في قَوْلِهِ طَمَعٌ
|
|
يَمشي عَلى جُثَثِ الأصْحابِ كالحَجَلِ
|
قَدْ تاجَرَ الناسُ بالأَمجادِ وارتفعوا
|
|
أمّا سُليمى فَمَسْعاها إلى عَطَلِ
|
رَداءَةُ الرأيِ ساقَتْها إلى سَفَهٍ
|
|
فَدَربُها غَبَشٌ في مَوردٍ ضَحِلِ
|
تحميل القصيدة بصيغة بي دي اف على الرابط
No comments:
Post a Comment